مقالات

نشر الفديوهات الماجنة بين تغيير المنكر وإشاعة الفاحشة

نشر الفديوهات الماجنة بين تغيير المنكر وإشاعة الفاحشة
هاتفتني إحدى الأخوات لتستفسر وتتمنى:
أولا تستفسر عن حكم الشرع في نشر صور لمسلمات في وضعيات مخلة بالآداب والحياء، والتي ظهرت مؤخرا في بعض المواقع روادها شباب انتفضوا ضد ثقافة العهر والإنحدار الخلقي، بدعوى مواجهتها مباشرة حتى يتم ردعها.
تتمنى الأخت أن تكون لي كلمة في الموضوع عبارة عن بيان وتوجيه لمن يفعل ذلك سواء بحسن نية أو بسوء طوية.
أولا: أما عن الاستفسار حول حكم الشرع في اشاعة هذه الصور فنقول:
لا يخلو مجتمع مهما سمت قيمه من وجود إنحرافات في حدود ضيقة جدا، فالمجتمع الصالح ليس مجتمعا ملائكيا، لكن طابعه الغالب وصورته الظاهرة تبعث على الإطمئنان، فالمعروف فيها منصور، والمنكر فيها مقهور، والفقير فيها مجبور، وما ذلك إلا لأن الغالب على الحال هو الصلاح عند الأفراد والجماعة، ومع ذلك يظل الإنسان فيها معرضا للوقوع في الزلل والمعصية. لأن الإنسان بطبعه خطاء، وخير الخطائين التوابون، فخير الزمان هو زمان الحبيب عليه الصلاة والسلام، فما أظلت الزرقاء، ولا حوت الغبراء جيلا أفضل ولا أكرم على الله من جيل الصحابة رضوان الله عليهم إبان حياة الحبيب صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك وقع بعض الصحابة في آثام إما تابوا منها، أو أخذوا جزاءهم عليها في الدنيا كماعز الأسلمي والغامدية رضي الله عنهما، كما ظلت قطعا بعض المعاصي لآخرين في طي الكتمان آيل أمرها إلى أحكم الحاكمين، فلا عصمة لأحد إلا للأنبياء، ولو شاء ربك لخلق الخلق ملائكة يمشون على الأرض مطمئنين، لكنه خلق الإنسان ضعيفا، وعجولا وهلوعا ومنوعا، شبهات تستهويه، وشهوات تغريه، فتنوا بالمغريات يزينها أعداء كثر، ويأمر بها غير قليل من شياطين الأنس والجن، لا يسلم منها جميعا أحد، وكيف يسلم منها بشر، وقد سمى الجليل نفسه بالتواب والغفور والرحيم، فلو لم يذنب البشر فيستغفرون فيغفر الله لهم لاستبدلهم رب البشر بخلق آخرين يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَاتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ.
ب- ليس العيب أبدا في الوقوع في الذنب إنما العيب في أمرين اثنين يعقبان ارتكاب الذنب.
أولا: الإصرار عليه وعدم الإنابة لرب العزة تبارك اسمه، وجلت قدرته، وإلا فإن أبواب التوبة مفتوحة إلى يوم القيامة، يبسط الرحمن يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل، إلى أن تطلع الشمس من مغربها، ويقبل توبة العبد ما لم يغرغر، والنصوص في الباب معلومة و شائعة.
والشيطان عدوك يعرف أنك خطاء لكن يطمع بعد ارتكابك المعصية تحقيق أمور منها:
– أن تصر على المعصية وتستصغرها حتى تميت قلبك، وتطفئ نور الإيمان في فؤادك، فيصبح مسودا مربادا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، يقول تعالى ‘ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ’
ثانيا: أن يقنطك ويدفعك إلى اليأس من رحمته ويحول بينك وبين الإنابة إلي مولاك.
ثالثا: إشاعة المنكر والإعلان عنه والتبجح به والفرح له، فيسيئ لنفسه بتدنيسها بالمعصية، ويسيئ إلى غيره بتجريئه على الاقتداء به فيصبح داعية ضلال، وإمام غواية، فيحمل بذلك وزر معصيته ووزر كل من يأتسي به، وإذا وصل الأمر بالمجتمع الى هذه الحالة، معناه أن جسم الأمة أصبح يقبل هذا الخبث، وحين لا يوجد في الأمة من يغار على الحرمات، غار الجبار في عليائه، فينتقم لحرماته وحدوده المنتهكة، فكل أمتي معافى إلا المجاهرين كما قال عليه الصلاة والسلام، وقال أيضا ‘إذا ابتليتم بهذه القاذورات فاستتروا’ وقال في موضع آخر ‘ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا’
إذن لا يطمع أحد في أن يتحول الناس إلى ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يرضى مقابل ذلك أن يتجرأ الناس على الحرمات بحيث يصرون على اقترافها، ولا ينيبون، ويشيعونها ولا يستترون.
إذا ابتلينا بالجرأة على الحرمات، والإصرار على اقترافها، وإظهارها والاستهانة بستر الله تعال ، كان على الأمة في شخص علمائها ودعاتها وذوي الغيرة من ابناءها في كل مجال أن يواجهوا ذلك بالأمر والنهي و التربية والتعليم، وكان على السلطة من جانبها أن تعمل القانون لردع المستهترين بأعراض الأمة، قال عثمان رضي الله عنه ‘إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن’
أما ما يقوم به بعض الشباب من التشهير بالعصاة عبر نشر صورهم الفاضحة في الانترنت، قصد ردعهم، فنقول لهؤلاء: إذا كان المقصود مشروعا فإن الوسيلة غير مشروعة البتة. فالله تعالى كما تعبدنا بالغاية المحمودة، تعبدنا أيضا بالوسيلة المشروعة، ليس من منهجنا ‘الغاية تبرر الوسيلة’ أبدا.
كان على هؤلاء الشباب الغيورين على الأعراض والحرمات أن يلتمسوا وسائل أخرى غير التي ينهجون، كإسداء النصح للمنحرفين، ودعوتهم بالحسنى لعلهم يذكرون، وليس لهم إلا البلاغ والبيان لتبصيرهم بفداحة ما يرتكبون، فلا سلطان لهم على قلوبهم، فقلوب العباد بيد الرحمان يقلبها كيف يشاء.
أي أن الطريقة التي تنهجها رغم عدم مشروعيتها فهي ليست مضمونة من ناحية تحقيق الأهداف المرسومة سلفا، بل قد تحقق العكس، فنشر تلك الصور إشاعة للفواحش، يراها شباب كثر فيتعرضون لفتنة عظيمة في دينهم، فتحمل بذلك أوزارهم مع أوزارك، فالمسلم الحق هو الذي ينشد محاصرة المعصية في نطاق ضيق، بستر أصحابها ما لم يعمدوا هم بفضحها.
قد يكون لذلك التصرف عواقب وخيمة على الفتاة نفسها كأن تعمد إلى الانتحار أو التشرد، أو تلجأ إلى إجراء يغيب عنه صوت الحكمة، وبذلك يشكل هذا الإجراء عونا للشيطان على العصاة ودفعهم إلى ساحة الاندحار.
وقد يؤدي الى ارتكاب جرائم قتل على الشرف ينفذها الوالد أو الأخ أو غيرهما من أفراد العائلة في حالات الغضب القصوى، وقد ينتج عنه تشتت أسر بأكملها، إلى جانب آثار مدمرة على الفتاة ومحيطها.
لذلك فإنني أقول للشباب الذين يقومون بهذا الفعل بإنه لا يجوز تغيير منكر إذا كان يؤدي الى منكر أكبر وأعظم منه، فليتق الله تعالى شبابنا فيما يفعلون، وليقدروا حجم الكوارث التي تنتج عن طريقة تغييرهم هذه للمنكر، والتي تأتي على الأخضر واليابس، على الشباب المتدين أن يرحم هؤلاء الضحايا من بناتنا ويتحرق شوقا لعودتهن الى ربهن نادمات تائبات .
وأقول لبناتي المؤمنات المسلمات أن لا يقعن بسهولة في شراك الذئاب من الرجال، فالفتاة المسكينة هي التي تدفع دوما الفاتورة الباهظة من شرفها وسمعتها وسمعة عائلتها، فهي الخاسرة في كل الأحوال، فمن أرادك وأراد الوصول إليك فليكن عن طريق الشرع الصحيح وليدخل عليك من الباب في واضحة النهار، لا أن يفعل كما يفعل السراق، لا يقترفون جرمهم إلا في ظلمة الليل البهيم.
أقول أيضا للدعاة والعلماء أين صوتكم؟ وأين هي دعوتكم؟ وهل فكرتم في مجالسكم في كيفية الوصول الى هذه الشرائح من المجتمع لإسداء النصح لها؟ والأخذ بيدها، عوض الإرتماء في أحضان من لا خلاق لهم؟
نقول للإعلام متى تغير صورتك العفنة، وتتوقف عن قصفك المشاهدين بهذه البرامج والمسلسلات والأفلام المشيعة للفواحش رحمة بهذه الأجيال الحائرة.
نساءل رجال التربية والتعليم ماذا عساكم تفعلون، أو قل ماذا قدمتم للأجيال التي تسهرون على تنشئتها في مجال تحصينها عقديا وإيمانيا ضد فيروسات الإنحلال المنتشرة في كل مكان.
نقول للسلطة الى متى ستظلين تراقبين الأوضاع من فوق؟ ومتى ستتحركين لتفعيل القانون المجرم لهذه التصرفات؟
نقول أخيرا وليس آخرا للأسر كيف يمكن للآباء أن يكونوا في هذه الغفلة العميقة تجاه ما يحدث لأبنائهم؟ ألا يستشعرون خطورة واجب التربية والمتابعة لأبنائهم؟ ماذا يقولون لربهم وقد قدموا استقالتهم من واجب تربية الأبناء؟
بقلم ذ. عبد الله نهاري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق